للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

وقد تبيَّن بما ذكرنا أن حبّ المال والرياسةِ/ والحرصِ عليهما يُفسدُ دينَ المرءِ حتى لا يبقى منهُ إلا ما شاءَ الله، كما أخبرَ بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وأَصلُ محبةِ المال والشَّرفِِ. من حُب الدُّنْيَا، وأصل حُبِّ الدُّنْيَا اتّباعُ الهوى.

قال وهبُ بنُ مُنبِّه: من اتّباع الهوى الرغبةُ في الدُّنْيَا، ومن الرغبةِ فيها حُبِّ المالِ والشَّرفِِ، ومِن حُبّ المالِ والشَّرفِ استحلالُ المحارمِ.

وهذا كلامّ حَسَنٌ؛ فإنه إِنَّمَا عُتِبَ عَلَى صاحبِ المالِ والشَّرفِِ الرغبةَ في الدُّنْيَا، وإنما تَحصُلُ الرغبةُ في الدُّنْيَا من اتِّباع الهَوى؛ لأنَّ الهوى دَاعٍ إِلَى الرغبةِ في الدُّنْيَا وَحُبِّ المالِ والشَّرفِِ فيها، والتقوى تمنعُ من اتِّباعِ الهوى وتردعُ عن حُبِّ الدُّنْيَا.

قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (١).

وقَد وَصفَ الله تعالى أَهلَ النارِ بالمالِ والسلطانِ في مَوَاضِعَ مِن كِتابهِ، فَقَالَ تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (٢).

واعلمْ أَن النَّفسَ تُحبُّ الرِّفَعَةَ والعُلوَّ عَلَى أَبناءِ جنسِهَا، وَمن هُنا نشأَ الكِبرُ والحسدُ، ولكن العاقلَ يُنافسُ في العُلوِّ الدائم الباقي الَّذِي فيهِ رضوانُ اللَّه وقُربُهُ وجِوارُهُ، ويَرغَبُ عن العُلوِّ الفاني الزَّائلِ، الَّذِي يعقُبُهُ غَضبُ اللَّه وَسخطُه، وانحطاطُ العبدِ وسُفُولُه وبعدُهُ عَن الله وطردُهُ عنه، فهذا العُلوّ الفاني الَّذِي يُذَمًّ، وهو العتُوُّ والتكبرُ في الأرض بغيرِ الحَقِّ.


(١) النازعات: ٣٧ - ٤١.
(٢) الحاقة: ٢٥ - ٢٩.