للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الأول في لزوم محبة الملك القدوس وتقديمها عَلَى حب الأموال والأولاد والنفوس

قال الله -عز وجل-: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤].

قال أبو عبد الله محمد بن خفيف الصوفي: "سألنا أبو العباس بن سريج بشيراز فَقَالَ لنا: محبة الله فرض أم غير فرض؟ قلنا: فرض، قال: ما الدلالة عَلَى فرضها؟ فما منا من أتى بشيء يقبل فرجعنا إِلَيْهِ وسألناه: ما الدليل عَلَى فرض محبة الله -عز وجل-؟ فَقَالَ: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} إلى قوله: - {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: ٢٤] قال: فتوعدهم الله -عز وجل- عَلَى تفضيل محبتهم لغيره عَلَى محبته ومحبة رسوله، والوعيد لا يقع إلا عَلَى فرض لازم وحتم واجب".

وفي "الصحيحين" (١) عن أنس، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أَحَبّ إِلَيْهِ من والده وولده والناس أجمعين".

وفي "الصحيحين" (٢) أيضاً أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "يا رسول الله، والله لأنت أَحَبّ إلي من كل شيء إلا من نفسي. فَقَالَ: لا يا عمر حتى أكون أَحَبّ إليك من نفسك. فَقَالَ: والله لأنت أَحَبّ إلي من نفسي. فَقَالَ: الآن يا عمر".


(١) أخرجه البخاري (١٤)، ومسلم (٦٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٣٢) ولم يخرجه مسلم، قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٣٤٣): "انفرد بإخراجه البخاري".