للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مطلب]]

ومما أنكره أئمة السَّلف، الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضاً، ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام، وإنما أحدث ذلك بعدهم كما أحدثه فقهاء العراقين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية، وصنفوا كتب الخلاف ووسعوا البحث والجدال فيها، وكل ذلك محدث لا أصل له، وصار ذلك علمهم، حتى شغلهم عن العِلْم النافع.

وقد أنكر ذلك السَّلف وورد الحديث المرفوع في السنن (١) «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى، إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ. ثُمَّ قَرَأَ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: ٥٨]».

وقال بعض السَّلف: إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرًا أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل.

وقال مالك: أدركت هذه البلدة وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الَّذِي فيه الناس اليوم -يريد المسائل.

وكان يعيب كثرة الكلام والفتيا ويقول: يتكلم (أحدهم) (*) كأنه جمل مغتلم، يقول: هو كذا هو كذا، يهدر في كلامه.

وكان يكره الجواب في كثرة المسائل ويقول: قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] فلم يأته في ذلك جواب وقِيلَ لَهُ: الرجل يكون عالمًا بالسنن يجادل عنها؟ قال: لا ولكن يخبر بالسُّنَّة، فإن قبل


(١) أخرجه الترمذي (٣٢٥٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح إِنَّمَا نعرفه من حديث حجاج ابن دينار، وحجاج ثقة مقارب الحديث، وأبو غالب اسمه حزور.
وأخرجه ابن ماجه (٤٨).
(*) أحدكم: "نسخة".