للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشقاء والسعادة بعدله ورحمته جلَّ وعلا

ومما يتحقق به معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: "لَنْ يدخلَ أحدٌ الجنةَ بِعملِهِ"، أو "لَنْ ينجّيَ أحدًا عملُهُ"، أن مضاعفة الحسنات إِنَّمَا هي من فضل الله عز وجل وإحسانه، حيث جازى بالحسنة عشرًا ثم ضاعفها إِلَى سبعمائة ضعف إِلَى أضعاف كثيرة. فهذا كله فضل منه -عز وجل-، ولو جازى بالحسنة مثلها كالسيئات لم تقوَ الحسنات عَلَى إحباط السيئات، فكان يهلك صاحبُ العمل لا محالة.

كما قَالَ ابن مسعود -رضي الله عنه- في صفة الحسنات: إن كان وليًّا لله فَفَضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يُدخله بها الجنة، وإن كان شقيًّا قَالَ المَلَك: يا رب فَنِيت حسناته وبقي له طالبون كثير؟

قَالَ: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إِلَى سيئاته ثم صكوا له صكًّا إِلَى النار (١).

فتبيَّن بهذا أن من أراد اللهُ سعادَتَهُ أضعفَ اللهُ له حسناته حتى يستوفي (منها) (*) الغرماء، ويبقي له منها مثقال ذرة فتضاعف له ويدخل بها الجنة، وذلك من فضل الله ورحمته.

ومن أراد الله شقاوته وله غرماء لم تضاعف حسناته كما تضاعف لمن أراد الله سعادته، بل يضاعفها عشرًا فتقسم عَلَى الغرماء فيستوفونها كلها، وتبقى لهم عليه مظالم فيطرح عليه من سيئاتهم فيدخل بها النار، قهذا عدله (وذاك) فضله (**).

ومن هنا قَالَ يحيى بن معاذ: إذا بسط فضله لم يبق لأحد سيئة، وإذا جاء


(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد (١٤١٦)، والطبري في تقسيره (٥/ ٨٩ - ٩٠)، (١٩/ ٥٤ - ٥٥)، وعزاه ابن كثير (١/ ٤٩٨) لابن أبى حاتم والطبري وقال: ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح.
(*) منه: "نسخة".
(**) وذلك: "نسخة".