للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "جف القلم بما هو كائن" وفي الرواية الأخرى: "رفعت الأقلام وجفت الكتب" وفي الرواية الأخرى: "وجفت الصحف"]

كله كناية عن نفوذ المقادير وكتابتها جميعها في كتاب جامع من أمد بعيد، فإن الكتاب إذا كتب وفرغ من كتابته وبعد عهده فقد رفعت الأقلام عنه وجفت الأقلام التي كتب به من مدادها وجفت الصحيفة المكتوب فيها بالمداد المكتوب به فيها.

وهذا من (أحسن) (*) الكنايات وأبلغها، وقد دل الكتاب والسنة الصحيحة عَلَى مثل هذا المعنى، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢].

قال الضحاك عن ابن عباس: إن الله خلق القلم فأمره ليجري بإذنه، وعِظَم القلم كقدر ما بين السماء والأرض، فَقَالَ القلم: بم يا رب أجري؟ قال: بما أنا خالق وكائن في خلقي من قطر أو نبات أو نفس أو أثر -يعني به: العمل- أو رزق أو أجل. فجرى القلم بما هو كائن إِلَى يوم القيامة، فأثبته الله في الكتاب المكتوب عنده تحت العرش.

وروى أبو ظبيان عن ابن عباس: إن أول شيء خلقه الله القلم، فَقَالَ له: اكتب قال: وما كتب؟ قال: القدر. فجرى بما هو كائن إِلَى أن تقوم الساعة ثم قرأ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: ١] (١)، وروى أبو الضحى عن ابن عباس نحوه أيضاً (٢).


(*) أبلغ: "نسخة".
(١) أخرجه ابن جربر (٢٩/ ٩، ١٠).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٩/ ١٠).