للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخالفته. وهذا من النصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمّة المسلمين وعامتهم وذلك هو الدينُ كما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم (١).

وأما المبين لخطأ من أخطأ من العُلَمَاء قبله، إذا تأدَّب في الخطاب، وأحسن الرد والجواب فلا حَرَج عليه ولا لوم يتوجَّه عليه، وإن صدر منه من الاغترار بمقالته، فلا حرج عليه، وقد كان بعضُ السَّلف إذا بلغه قولٌ يُنكره عَلَى قائله يقول: "كَذَب فلان"، ومن هذا قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ أبو السّنابل" (٢) لما بلغه أنه أفتى أن المتوفى عنها زوجُها إذا كانت حاملاً لا تحل بوضع الحمل حتى يمضي عليها أربعة أشهر وعشر.

وقد بالغ الأئمة الورعون في إنكار مقالاتٍ ضعيفةٍ لبعض العُلَمَاء وردوها أبلغَ الرد كما كان الإمام أحمد ينكر عَلَى أبي ثور وغيره مقالاتٍ ضعيفة تفردوا بها، ويُبالغ في ردِّها عليهم، هذا كله حكمُ الظَّاهر.

وأما في باطن الأمر: فإن كان مقصودُه في ذلك مجردَ تبيين الحق، وأن لا يغترَّ الناسُ بمقالاتِ من أخطأ في مقالاته، فلا ريب أنهُ مُثابٌ عَلَى قصده، ودَخَلَ بفعله هذا بهذه النية في النُّصح لله ورسوله وأئمةِ المسلمين وعامَّتهم.

وسواء كان الَّذِي يبين خطؤه صغيرًا أو كبيرًا، وله أسوة بمن ردَّ من العُلَمَاء مقالات ابن عباس التي شذ بها، وأنكرت عليه من العُلَمَاء مثلَ المُتعة والصرف والعُمْرتين وغير ذلك.

ومَنْ رد عَلَى سعيد بن المسيِّب قوله في إباحته المُطلقة ثلاثًا بمجرَّد العقد، وغير ذلك مما يُخالف السنَّة الصريحة، وردَّ عَلَى الحسن قوله في ترك الإحداد عن المتوفى عنها زوجُها، وعلى عطاء قوله في إباحته إعارة الفُروج، وعلى


(١) أخرجه مسلم (٥٥) من حديث تميم الداري.
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٤٤٧).