للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه هذه المطالب، وهو: تفرد الله- سبحانه وتعالى- بالضر والنفع والعطاء والمنع، وأنه لا يصيب العبد من ذلك كله إلا ما سبق تقديره وقضاه له، وأن الخلق كلهم عاجزون عن إيصال نفع أو ضر غير مقدَّر في الكتاب السابق.

وتحقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق، وعن سؤالهم واستعانتهم ورجائهم بجلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة أيضاً، وأن تُقدم طاعته عَلَى طاعة الخلق كلهم جميعًا، وأن يُتقى سخطه وإن كان فيه سخط الخلق جميعًا، وقد جاء في حديث أبي سعيد مرفوعًا: «إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيقِينِ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسُخْطِ اللهِ، وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَأَنْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يَؤْتِكَ اللهُ، إِنَّ رِزْقَ اللهِ لَا يَجُرُّهُ إِلَيْكَ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا يَرُدُّهُ كُرْهُ كَارِهٍ» (١).

ورُوي عن ابن مسعود من قوله نحوه.

وما أحسن قول بعضهم:

فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الَّذِي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الَّذِي فوق التراب ترابُ

فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب فهو تراب، فكيف يقدم عَلَى طاعة شيء من التراب عَلَى طاعة رب الأرباب؟ أم كيف يُرضي التراب بسخط الملك الوهاب إن هذا لشيء عجاب!

وقد دلّ القرآن عَلَى هذا الأصل وهو تفرد الله -سبحانه- بالعطاء والمنع في


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٥/ ١٠٦) وقال: غريب من حديث عمرو تفرد به علي بن مروان عن أبيه.
قلت: ووالد علي بن مروان هو محمد بن مروان السدي قال الذهبي في الميزان (٤/ ٣٢): تركوه، واتهمه بعضهم بالكذب، وهو صاحب الكلبي. وفي الإسناد عطية العوفي وهو ضعيف.