للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا في الحديث الصحيح:

"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي! فيدع الدعاء" (١).

ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إِلَى نفسه باللائمة ويقول لها: إِنَّمَا أتيت من قبلك ولو كان فيك خير لأجبت!.

وهذا اللوم أَحَبّ إِلَى الله من كثير من الطاعات؛ فإن يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع إِلَيْهِ حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنَّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، عَلَى قدر الكسر يكون الجبر.

قال وهب: تعبد رجل زمانًا ثم بدت له إِلَى الله حاجة فصام سبعين سبتًا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سأل الله حاجته فلم يعطها فرجع إِلَى نفسه فَقَالَ: منك أتيت، لو كان فيك خير أعطيت حاجتك. فنزل إِلَيْهِ عند ذلك ملك، فَقَالَ: يا ابن آدم؛ ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك.

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها

فمن تحقق هذا وعرفه وشاهده بقلبه، علم أن نعم الله عَلَى عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه في الرخاء، وهذا تحقيق معنى الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:

«لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» (٢).

ومن ها هنا كان العارفون بالله لا يختارون إحدى الحالتين عَلَى الأخرى، بل


(١) أخرجه البخاري (٦٣٤٠)، ومسلم (٢٧٣٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٩٩).