وحاصل ما نُقِل عن الإمام أحمد أنَّه يُسْتَحَبُّ سُكْنَى الشام والانتقال بالذرية والعيال إِلَى معاقلها كدمشق، فأما أطرافها وثغورها القريبة من السواحل فلا يستحب سكناها بالذرية، لما يخشى عليهم من إغارة الكفار، وإنَّما يستحب الإقامة بها للرباط بدون نقل النساء والذرية.
وكل ما كان من بلد من بلدانها أقرب إِلَى السواحل، وأشد خوفًا، فإنَّه يكره نقل الذرية إِلَيْهِ.
فأما الأحاديث في فضائل الشام فلا تختص عنده بثغورها، بل هي عامة لجميع أرض الشام، كبيت المقدس، وما والاه ودمشق وغيرها، والله تعالى أعلم.
وكذلك كره الأوزاعي نقل الذرية إلي الثغور التي يخشى عليها من العدو دون الثغور التي يغلب عليها الأمن من العدو.
وفي كتاب "المراسيل"(١) لأبي داود عن الوضين بن عطاء عن مكحول والقاسم أبي عبد الرحمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تنزلوا الذرية -يعني- بإزاء العدو".
وروى جويبر، عن الضحاك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يعرض ذريته لسَبَاء المشركين" خرّجه أبو إسحاق الفزاري في كتاب "السير" وهو مرسل، وجويبر ضعيف.
وروى أبو إسحاق عن الحسن بن الحسن عن عمر بن عبد العزيز أنَّه صرف قومًا قدموا عليه من اليمامة أرادوا سُكنى دمشق عنها، فقالوا: اختر لنا، قال: قِنَّسرِين.
وهكذا كان عمر بن العزيز يختار لنفسه بلاد قنسرين عَلَى دمشق، وإنَّما اختار هذا لقرب العدو، وكون مقامه فيه أنفع للمسلمين؛ لتجهيز الجيوش ووصول الأخبار، وغير ذلك من مصالح العامة. والله أعلم.