للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواها مفتاح، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه مفصحًا بتوحيده أي إفصاح، موضحًا لعبيده سبيل الهدى كل الاتضاح، فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يعرف بالله حتى يعرف توحيده في جميع النواح، ويخوف بالله حتى لانت القلوب القاسية وصلحت كل (الفلاح) (١) [(*) ويذكر بآلاء الله حتى انشرحت القلوب بمحبته أعظم انشراح، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تكون سببًا للفلاح، فحي عَلَى الصلاة وحي عَلَى الفلاح.

أما بعد؛ فإن الله -تعالى- خلق الخلق وأوجدهم لعبادته الجامعة لخشيته ورجائه ومحبته كلما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وإنَّما يعبد الله -سبحانه- بعد العِلْم به ومعرفته، فبذلك خلق السماوات والأرض وما فيهما للاستدلال بهما عَلَى توحيده وعظمته كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] وقد علم أن العبادة إِنَّمَا تبنى عَلَى ثلاثة أصوال: الخوف والرجاء والمحبة.

وكل منهما فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب، فلهذا كان السَّلف يذمون من تعبد بواحد منها وأهمل الآخرين؛ فإن بدع الخوارج ومن أشبههم إِنَّمَا حدثت من التشديد في الخوف والإعراض عن المحبة والرجاء، وبدع المرجئة نشأت من التعليق بالرجاء وحده والإعراض عن الخوف، وبدع كثير من أهل الإباحة والحلول ممن ينسب إِلَى التعبد، نشأت من إفراض المحبة والأعراض عن الخوف والرجاء.

وقد كثر في المتأخرين المنتسبن إِلَى السلوك تجريد الكلام في المحبة وتوسيع القول فيها بما لا يساوي علي الحقيقة مثقال حبة، إذا هو عار عن الاستدلال بالكتاب والسنة، وخال من ذكر كلام من سلف من سلف الأمة وأعيان الأئمة،


(١) في المطبوع: الصلاح.
(*) من هنا حدث سقط في النسخة الخطية التي بين أيدينا حتى عبارة: "وأمنحهم رياض قدسي" في الباب السابع.