للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن كان في سخطه محسنًا ... فكيف يكون إذا ما رضي؟!

لما كانت الصلاة صلة بين العبد وربه، ومناجاة تظهر فيها آثارُ تَجَلِّيه لقلوب العارفين وقربه، شرع قبل الدخول فيها الطهارة، فإنَّه لا يصلح للوقوف بين يدي الله عز وجل والخلوة بمناجاته إلا طاهر، فأما المتلوث بالأوساخ الظاهرة والباطنة فلا يصلح للقرب، فشرع الله عز وجل للمُصلي غسل أعضائه بالماء، ورتب عليها طهارة الذنوب وتكفيرها، حتى يجتمع لمن يريد المناجاة طهارة ظاهره وباطنه، ثم شرع المشي إِلَى المساجد.

وفيه أيضاً: تكفير الخطايا حتى تكمل طهارة الذنوب إن بقى منها شيء بعد الوضوء، حتى لا يقف العبد في مقام المناجاة إلا بعد كمال طهارة ظاهره وباطنه من درن الأوساخ والذنوب.

ولهذا شرع له تجديد التوبة والاستغفار عقب كل وضوء حتى تكمل طهارة ذنوبه كما خرَّج النسائي (١) من حديث أبي سعيد مرفوعًا وموقوفًا: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال عند فراغه من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك خُتم عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش فلم يكسر إِلَى يوم القيامة".

ومتى اجتهد العبد عَلَى تكميل طهارته ومشيه إِلَى المسجد ولم يقوَ ذلك عَلَى تكفير ذنوبه فإن الصلاة يكمل بها التكفير، كما في الصحيحين (٢) عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ "

قالوا: لا ييقى من درنه شيء.

قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا".

وإن قويَ الوضوء وحده عَلَى تكفير الخطايا فالمشي إِلَى المسجد والصلاة بعده


(١) في عمل اليوم والليلة (٨١) وقال: هذا خطأ، والصواب موقوف ثم ساقه موقوفًا.
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٨)، ومسلم (٦٦٧).