للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها احتقار الدُّنْيَا والتزهيد فيها كما قال تعالى في قصة قارون:

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (١).

وقيل للإمام أحمد: إِنَّ ابن المبارك قِيلَ لَهُ: كيف يعرف العالم الصادق؟ فَقَالَ: الَّذِي يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَيُقْبِلُ عَلَى أَمْرِ الآخِرَةِ.

فَقَالَ أحمد: نعم، هكذا ينبغي أن يكون. وكان أحمد ينكر على أهل العِلْم حب الدُّنْيَا والحرص على طلبها.

واعلم أنّه إِنَّمَا أهلك أهل العِلْم وأوجب إساءة ظن الجهال بهم وتقديم جهال المتعبدين عليهم ما دخل عليهم من الطمع في الدُّنْيَا.

وقد رأى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- رجلاً يقص، فَقَالَ له: لأَسْأَلَنَّكَ مَسْأَلَةً، فَإِنْ خَرَجْتَ مِنْهِا وَإِلاَّ عَلَوْتُكَ بِهَذِهِ الدُّرَّةِ، فَقَالَ له: سَلْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ له: مَا ثَبَاتُ الدِّينِ وَزَوَالُهُ؟

فَقَالَ له: ثَبَاتُ الدِّينِ الوَرَعُ، وَزَوَالُهُ الطَّمَعُ.

فَقَالَ له: قُصَّ، فَمِثْلُكَ يَقُصُّ (٢).

وهذا السؤال من علي -رضي الله عنه- لهذا القاص فيه إشارة إِلَى أن من نشر علمه للناس وتكلم عليهم، ينبغي أن يكون ورعًا عما في أيديهم، غير طامع في شيء من أموالهم ولا أرزاقهم، ولا اجتلاب قلوبهم اليه، وإنما ينشر علمه لله عز وجل ويتعفف عن الناس بالورع.


(١) القصص: ٧٩ - ٨٠.
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٤/ ١٣٦).