للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبْوَابِهِمْ، فَزَهِدُوا فِيكُمْ، أَمَّا إِنَّكُمْ لَوْ جَلَسْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يُرْسِلُونَ إِلَيْكُمْ؛ لَكَانَ أَعْظَمَ لَكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ، تَفَرَّقُوا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ.

وفي رواية: تَفَرَّقُوا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَ أَرْوَاحِكُمْ وَأَجْسَامكُمْ، فَرْطَحْتُمْ نِعَالكُمْ، وَشَمَّرْتُمْ ثِيَابَكُمْ، وَجَزَزْتُمْ شُعُورَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ فِيمَا عِنْدَهُمْ فَزَهِدُوا فِيكُمْ، فَضَحْتُمْ القُرَّاءَ فَضَحَكُمُ اللهُ، أَما وَاللهِ لَوْ زَهِدْتُّمْ فِيمَا عِنْدَهُمْ لَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ فِيمَا عِنْدَهُمْ فَزَهِدُوا فِيكُمْ وَفِيمَا عِنْدَكُمْ أَبْعَدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَ.

وفي الجملة فمن لا يصون نفسه لا ينتفع بعلمه ولا ينتفع غيره به.

قال الشافعي: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ، وَمَنْ كَتَبَ الحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ تَفَقَّهَ نَبُلَ قَدْرُهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الحِسَابَ جَزُلَ رَأْيُهُ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ.

وفي هذا المعنى يقول أبو الحسن عبد العزيز الجرجاني رحمه الله:

يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلّ أَحْجَمَا

أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ ... وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا

إِذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى ... وَلَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظّمَا

ولَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِي ... لأَِخْدِمَ مَنْ لاَقَيْتُ لَكِنْ لأُِخْدَمَا