وقال وهيب بن الورد: بلغنا أنَّه ضرب لخوف الله مثل في الجسد، قيل: إِنَّمَا مثل خوف الله كمثل الرجل يكون في منزله فلا يزال عامرًا ما دام فيه ربه، فإذا فارق المنزل ربه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف الله تعالى إذا كان في الجسد لم يزل (معمورًا)(*) ما دام فيه خوف الله، فإذا فارق خوف الله الجسد خرب، حتى إن المار يمر في المجلس من الناس فيَقُولُونَ: بئس العبد فلان، فيقول بعضهم لبعض: ما رأيتم منه، فيَقُولُونَ: ما رأينا منه شيئًا إلا أنا نبغضه، وذلك أن خوف الله تعالى فارق جسده، وإذا مر بهم الرجل فيه خوف الله، قالوا: نعم والله الرجل، فيَقُولُونَ: أي شيء رأيتم منه: فيَقُولُونَ: ما رأينا منه شيئًا غير أنا نحبه، وذلك أن خوف الله سكن قلبه.
وقال الفضيل بن عياض: الخوف أفضل من الرجاء ما كان الرجل صحيحًا، فإذا نزل الموت فالرجاء أفضل.
وسئل ابن المبارك عن رجلين أحدهما خائف والآخر قتل في سبيل الله عزّ وجلّ، قال: أحَبهما إِلَيَّ أخوفهما.
وقد استخرت الله تعالى في جمع كتاب أذكر فيه صفة النار، وما أعد الله فيها لأعدائه من الخزي والنكال والبوار، ليكون بمشيئة الله قامعًا للنفوس عن غَيِّها وفسادها، وباعثًا إِلَى المسارعة إِلَى فلاحها وإرشادها فإن النفوس ولا سيما في هذه الأزمان قد غلب عليها الكسل والتواني، واسترسلت في شهواتها وأهوائها وتمنت علي الله الأماني، والشهوات لا يذهبها من القلوب إلا أحد أمرين، إما خوف مزعج محرق، أو شوق مبهج مقلق، وسميته "كتاب التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار" وقسمته ثلاثين بابًا، والله المسؤول أن يجيرنا من النار، وأن يجعل بيننا وبينها حجابًا بمنه وكرمه.
الباب الأول: في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها.
الباب الثاني: في الخوف من النار وأحوال الخائفين.
الباب الثالث: في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها.