للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأخبروا أنهم لا يريدونه في تلك الحال، وكذلك لو خوفوا عذابًا ونحوه لم يلتفتوا إِلَيْهِ، وربما لم يستشعروا ألمه في تلك الحال، وإنَّما يحذرون حينئذٍ من الحجاب عما هم فيه والبعد عنه، فإذا رجعوا إِلَى منازلهم، رجعوا إِلَى ما كانوا عليه من التنعم بأنواع النعيم المخلوق لهم، بل يزداد نعيمهم بذلك مع شدة شوقهم إِلَى يوم المزيد ثانيًا.

فهكذا أحوال العارفين الصادقين في الدُّنْيَا إذا تجلى عَلَى قلوبهم أنوار الإحسان واستولى عليها المثل الأعلى، فإن هذا من شواهد ما يحصل لهم في الجنة يوم المزيد، فهم لا يلتفتون في تلك الحال إِلَى غير ما هم فيه من الأنس بالله والتنعم بقربه وذكره ومحبته، حتى ينسوا ذكر نعيم الجنة، ويصغر عندهم بالنسبة إِلَى ما هم فيه، ولا يخافون حينئذ أيضاً غير حجبهم عن الله وبعدهم عنه وانقطاع مواد الأنس به، فإذا رجعوا إِلَى عقولهم، وسكنت عنهم سلطنة هذا الحال وقهره، وجدوا نفوسهم وإرادتهم باقية، فيشتاقون حينئذٍ إِلَى الجنة ويخافون من النار، مع ملاحظتهم لأعلى ما يشتاق إِلَيْهِ من الجنة ويخشى منه من النار.

وأيضًا، فالعارفون قد يلاحظون من النار أنها ناشئة عن صفة انتقام الله وبطشه وغضبه، والأثر يدل عَلَى المؤثر، فجهنم دليل عَلَى غضب الله وشدة بأسه وبطشه وقوة سلطنة سطوته وانتقامه من أعدائه، فالخوف منها في الحقيقية خوف من الله وإجلال له وإعظام وخشية لصفاته المخوفة، مع أنَّه سبحانه يخوف بها عباده، ويحب منهم أن يخافوه بخوفها، وأن يخشوه بخشية الوقوع فيها، وأن يحذروه بالحذر منها، فالخائف من النار خائف من الله، متبع لما فيه محبته ورضاه والله أعلم.

***