للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى ذلك، وقالت له مولاته: أفسدت عَلَى نفسك، فَقَالَ: إن صهيبًا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طال خوفه.

وعن ابن مهدي قَالَ: ما كان سفيان الثوري ينام إلاَّ أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ، ويقول عَلَى إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلاَّ فكاك رقبتي من النار.

وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:

إذا ما الليل أظلم كَابَدُوهُ ... فيُسفرُ عنهم وهم ركوعُ

أطارَ الخوف نومهُمُ فقاموا ... وأهل الأمن في الدُّنْيَا هُجُوعُ (١)

وقال ابن المبارك أيضاً:

وَمَا فَرْشُهُمْ إِلَّا أَيَامِنُ أُزْرِهِمْ ... وَمَا وُسْدُهُمْ إِلَّا مَلَاءٌ وَأَذْرُعُ

وَمَا لَيْلُهُمْ فيهن إِلَّا تخوف ... وَمَا نَوْمُهُمْ إِلَّا عُشَاشٌ مُرَوِّعُ

وَأَلْوَانُهُمْ صُفْرٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ... عَلَيْهَا جِسَاد عُلْيَ بِالْوَرْسِ (٢) مُشْبَعُ

نَوَاحِلُ قَدْ أَزْرَى بِهَا الْجُهْدُ (٣) وَالسُّرَى (٤) ... إِلَى اللَّهِ فِي الظَّلْمَاءِ وَالنَّاسُ هُجَّعُ

وَيَبكُونُ أحيانًا كأن عَجِيجَهُمْ (٥) ... إذا نَوَّمَ الناس الحَنِينُ المُرَجَّعُ

وَمَجْلِسُ ذِكْرٍ فِيهِمْ قَدْ شَهِدْتُهُ ... وَأَعْيُنُهُمْ مِنْ رهبة اللَّهِ تَدْمَعُ

وكان عباد بن زياد التيمي له إخوة متعبدون، فجاء الطاعون فاخترمهم، فَقَالَ


(١) أي: نيام ليلاً.
(٢) الورس: نبت أصفر يصبغ به.
(٣) الجُهُدُ: بضم الجيم، الشيء القليل يعيش به المقل عَلَى جهد العيش، وهو بالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية.
(٤) السُّرَى: السير بالليل، يقال: سرى يَسْري سُرّي، وأسرى يُسري إسراء، لغتان (النهاية: مادة "سرى").
(٥) العج: رفع الصوت بالتلبية.