للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتب بعضُ الحكماء إِلَى أخٍ له كان حريصًا عَلَى الدُّنْيَا: أما بعد؛ فإنَّك أصبحت حريصًا عَلَى الدُّنْيَا، تخدمها وهي تزجرك عن نفسِها بالأعراضِ والأمراض والآفاتِ والعلل، كأنَّكَ لم ترَ حريصًا محرومًا، ولا زاهدًا مرزوقًا، ولا ميتًا عن كثيرٍ، ولا متبلغًا من الدُّنْيَا باليسير.

عاتَبَ أعرابيٌّ أَخَاه عَلَى الحرصِ، فَقَالَ له: يا أخي، أنت طالبٌ ومطلوبٌ، يطلبك من لا تفوتُه وتطلبُ أنت من قد كُفِيتَه، يا أخي ألم ترَ حريصًا محرومًا وزاهدًا مرزوقًا.

وقال بعضُ الحكماء: أطولُ النَّاسِ همَّا الحسودُ، وأهنؤُهم عيشًا القنوعُ، وأصبرُهم عَلَى الأذى الحريصُ، وأخفضُهم عيشًا أرفضهم للدنيا، وأعظمُهم ندامةٌ العالمُ المفرط.

ولبعضِهم في هذا المعنى:

الحرصُ داءٌ قد أضـ ... رّ بمن ترى إلا قليلاً

كم مِنْ عزيز قد ... صَيَّرَه الحرص ذليلاً

ولغيره:

كم أنتَ للحر ... صِ والأماني عَبْدُ

ليسَ يجدي الحرصُ ... والسَّعْيُ (إذا) (*) لم يكن (جَدُّ) (**)

ليسَ لما قدره الله ... من الأمر بُدُّ

ولأبي العتاهية يخاطب سلمًا الخاسر:

تعالى الله يا سلمُ بن عَمْرٍو ... أذَلَّ الحرصُ أعناقَ الرجالِ


(*) إذ: "نسخة".
(**) بد: "نسخة".