للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في النار، إلاَّ من لم تبلغه الدعوة، أو لم يتمكن من فهمها، عَلَى ما جاء فيهم من الاختلاف، والمنتسبون إِلَى اتباع الرسل، كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضاً من أهل النار، كما قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: ١٧].

وأما المنتسبون إِلَى الكتاب المحكم، والشريعة المؤيدة، والدين الحق، فكثير منهم من أهل النار أيضاً، وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وأما المنتسبون إِلَيْه ظاهرًا وباطنًا، فكثير منهم فتن بالشبهات، وهم أهل البدع والضلال.

وقد وردت الأحاديث بأن هذه الأمة ستفترق عَلَى بضع وسبعين فرقة، كلها في النار إلاَّ فرقة واحدة، وكثير منهم أيضًا فق بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار -وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها- فلم ينج من الوعيد بالنار، ويستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة، إلاَّ فرقة واحدة، وهي من كان عَلَى ما كان عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه ظاهرًا وباطنًا، وسلم من فتنة الشهوات والشبهات، وهؤلاء قليل جدًّا، لا سيما في الأزمان المتأخرة والقرآن يدل عَلَى أن أكثر الناس هم أهل النار، وهم الذين اتبعوا الشيطان، كما قَالَ تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: ٢٠].

وقال تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٥].

فأما عصاة الموحدين، فأكثر من يدخل النار منهم النساء، كما في الصحيحين (١)، عن ابن عباس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، أنّه قَالَ في خطبة الكسوف: "رأيت النار، ورأيت أكثر أهلها النساء، بكفرهن، قيل: أيكفرون بالله؟! قَالَ: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إِلَى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: "ما رأيت منك خيرًا قط".


(١) أخرجه البخاري (٢٩)، ومسلم (٩٠٧).