للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زنجويه (١) وغيره.

وفي تكرير أمره بالقصد إشارة (إِلَى) (**) المداومة عليه، فإن شدة السير والاجتهاد مظنةُ السامة والانقطاع، والقصد أقرب إِلَى الدوام، ولهذا جعل عاقبةَ القصد البلوغَ كما قَالَ: "من أدلج بلغ المنزل".

فالمؤمن في الدنيا يسيرُ إِلَى ربه حتى يبلغَ إِلَيْهِ، كما قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: ٦]، وقال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩].

قَالَ الحسن: يا قوم، المداومةَ المداومةَ فإنَّ الله يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم تلا هذه الآية.

وقال أيضاً: نفوسكم مطاياكم فأصلحوا مطاياكم تُبلِّغكم إِلَى ربكم عز وجل.

والمرادُ بصلاح المطايا: الرفقُ بها، وتعاهُدها بما يصلحها من قوتها والرفق بها في سيرها، فإذا أحسَّ منها بتوقفٍ في السير تعاهدها تارةً بالتشويق، وتارةً بالتخويف حتى تسير.

قَالَ بعض السَّلف: الرجاء قائدٌ والخوف سائقٌ، والنفس بينهما كالدابة الحَرُون (٢).

فمتى فتر قائدها وقصَّر سائقها وقفت فتحتاج إِلَى الرفق بها والحدو لها حتى يطيب لها السير.

كما قَالَ حادي الإِبل بالبوادي:

بَشَّرها دليلها وقال لها ... غدًا ترَيْن الطلح والجبالا


(١) وأخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (٣/ ١٩).
(**) عَلَى: "نسخة".
(٢) الدابة الحرون: هي التي إذا استدر جريها وققت لسان العرب (١٣/ ١١٠).