للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا روي عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (١) قال: يقول: إذا حلفت (ونسيت) (*) الاسشناء فاستثن إذا ذكرت، ولو بعد خمسة أشهر وستة أشهر، فإنَّه يجزئك ما لم تحنث. خرَّجه آدم بن أبي إياس في "تفسيره".

وعلى هذا حَمل قولَ ابن عباس وأصحابه طائفةٌ من العُلَمَاء، منهم: أبو مسعود الأصبهاني، وابن جرير الطبري.

وكذا يُقال في هذا الحديث في تقديم الاستثناء في اليمين؛ فإنَّ تقديمه أبعد من تأخيره عن اليمين، فإنَّ اليمين لم تُوجد بعد بالكلية وفي تأخيره قد وجدت.

وقد قال مالك في الاستثناء في اليمين: إنْ ذكر المشيئة يُريد بها الاستثناء (نفعه) (**) ذلك في منع الحنث، وإنْ كان إنَّما (ريد) ( ... ) امتثال قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٢) (لم يحنث) (****)، فإني أرى الكفارة. نقله ابنُ المنذر وغيره، وكذلك حكاه أبو عُبيد عن بعض العُلَمَاء.

وتردد بعضُ العُلَمَاء في وجوب الكفارة في هذا القَسَم؛ لتردد نظره بين اللفظ والمعنى. فلفظُه معلَّقٌ بالمشيئة، ومعناه الجزم بالفعل غير معلق، وإنَّما ذكر الاستثناء تحقيقًا وتأكيدًا للفعل.

وفي الجملة: فينبغي حملُ حديث زيد بن ثابت عَلَى هذا المعنى، وأنْ يُقدِّم المشيئة عَلَى كل قولٍ يقولُه، وحَلْفٍ يحلفهُ، ونذر ينذرُه؛ ليخرج بذلك من عُهدة استقلال العبد بفعله، وليحقق العبدُ أنَه لا يكون مما يعزم عليه العبدُ ويقوله؛ من حَلْفٍ ونذرٍ وغيرهما الأ ما شاء الله وأراده؛ ولهذا قال بعده: "ما شئتَ كان وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بك، إنك عَلَى كل شيء قدير".


(١) الكهف: ٢٤.
(*) فنسيت: "نسخة".
(**) فيمنعه: "نسخة".
( ... ) أراد: "نسخة".
(٢) الكهف: ٢٣.
(****) ثم حنث: "نسخة".