للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُروى من حديث علي (١) مرفوعًا: "إِنَّ الله عز وجل يَتَجَلَّى لأَهْلِ الجَنَّة عَنْ وَجْهِهِ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا نِعْمَةً قَبْلَ ذَلِكَ, وَهُوَ قَوْلُهُ وَتَعَالَى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (٢).

ويُروى من حديث أبي جعفر مُرسلاً (٣): "إِنَّ أهل الْجنَّة إِذا زاروا رَبهم تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وكشف لَهُم عَن وَجهه، قَالُوا: رَبنَا أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام، وَلك حق الْجلَال وَالْإِكْرَام، فَيَقُول تَعَالَى: مرْحَبًا بعبادي الَّذين حفظوا وصيتي، وراعوا عهدي، وخافوني بِالْغَيْبِ، وَكَانُوا مني عَلَى كل حَال مشفقين، فَقَالُوا: وَعزَّتك وعظمتك وجلالك مَا قدرناك حق قدرك، وَمَا أدينا إِلَيْك حَقك؛ فَائذن لنا فِي السُّجُود لَك. فَيَقُول لَهُم عز وَجل: إِنِّي قد وضعت عَنْكُم مُؤنَة الْعِبَادَة، وأرحت لكم أبدانكم. فطالما أنصبتم لي الْأَبدَان، وأعنيتم الْوُجُوه؛ فَالْآن أفضيكم إِلَى روحي ورحمتي وكرامتي، فاسألوني مَا شِئْتُم، وتمنوا عَليّ أعطكم أمانيكم؛ فَإِنِّي لم أجزكم الْيَوْم بِقدر أَعمالكُم، وَلَكِن بِقدر رَحْمَتي وكرامتي.

فَمَا يزالون فِي الْأَمَانِي والعطايا والمواهب، حَتَّى إِن المقصّر مِنْهُم فِي أمْنِيته ليتمنَّى مثلَ جَمِيع الدُّنْيَا مُنْذُ خلقهَا الله إِلَى أَن أفناها. فَيَقُول لَهُم الرب تبَارك وَتَعَالَى: لقد قصَّرتم فِي أمانيكم ورضيتم بِدُونِ مَا يحِق لكم فقد أوجبتُ لكم مَا سَأَلْتُم وتمنيتم، وألحقتُ بكم ذريتكم وزدتكم مَا قصرت عَنهُ أمانيكم.

قَالَ عبد الرَّحْمَن بنُ أبي ليلى: إِذا تجلَّى لَهُم رَبُّهم لَا يكون مَا أُعطوا عِنْد ذَلِك بِشَيْء.

قَالَ الْحسن: إِذا تجلَّى لأهل الْجنَّة نسوا كلَّ نعيم الْجنَّة.

وكان يقول: لو علم العابدون أنّهم لا يرون ربَّهم في الآخرة لماتوا.


(١) أخرجه اللالكائي (٨٥٢)، وأورده ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص ٣٦٨) من طريق يعقوب بن سفيان، ورواه أبو بكر المقرئ في "زيادات مسند أبي يعلى" كما في "المطالب العالية" (٥٢٠٥) وإسناده ضعيف جدًّا.
(٢) سورة ق: ٣٥.
(٣) أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "صفة الجنة" (٥٣)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (٤١١).