للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنَّما قدَّم ذكرَ الشهادة بالتوحيد عَلَى طلب المغفرة؛ لأنّ التوحيد أعظم الأسباب التي تُستجلب بها المغفرة، وعدمُه مانع من المغفرة بالكلية؛ وفي الحديث (١): "ابن آدم إِنَّ جِئْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".

وفي حديث سيد الاستغفار (٢) البدايةُ بذكر التوحيد قبل طلب المغفرة. وإذا اعترف العبدُ بذنبه وطلب المغفرة من ربِّه، وأقر له أنَّه لا يغفر الذنوب غيره كان جديرًا أنْ يُغفر له؛ ولهذا قال في الحديث: "فاغفر لي، إنَّه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت" وكذلك في دُعاء سيد الاستغفار، وكذلك في الدعاء الَّذِي علَّمه الصديق أنْ يقوله في صلاته.

وإلى هذا الإشارة في القرآن: {ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (٣).

وفي حديث أبي ذر (٤) المرفوع: "يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى المَغْفِرَةِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي".

وفى حديث علي (٥)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي. إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي".

وفي "الصحيح" (٦): حديثُ الَّذِي أذنب ذنبًا فَقَالَ: "رَبِّ عَمِلْتُ ذَنْبًا

فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ الذَّنْبَ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابعَة: فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ". يعني: ما دام على هذا الحال، كلما أذنب استغفر.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٤٧، ١٤٨، ١٥٣، ١٥٥، ١٩٦، ١٨٠)، وابن ماجه (٣٨٢١) من حديث أبي ذر.
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٠٦).
(٣) آل عمران: ١٣٥.
(٤) أخرجه أحمد (٥/ ١٥٤، ١٧٧)، والترمذي (٢٤٩٥)، وابن ماجه (٤٢٥٧).
(٥) أخرجه أحمد (١/ ٩٧، ١١٥، ١٢٨)، وأبو داود (٢٦٠٢)، والترمذي (٣٤٤٦)، والنسائي في "الكبرى" (٨٧٩٩/ ١).
(٦) أخرجه البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم (٢٧٥٨) من حديث أبي هريرة.