للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصلى بعض السلف ركعتين خفيفتين بقرب من المقابر، ولم يرضهما لتخفيفهما، ثم غلبته عينه فرأى صاحب القبر الَّذِي هو بقربه يقول له: صليت ركعتين ولم ترضهما؟ قال: نعم. قال: لئن يكون لي مثل ركعتيك أَحَبّ إلي من الدُّنْيَا بحذافيرها.

وأما الرواية التي في "المسند" (١): "لَا يتمنين أحد الْمَوْت إِلَّا من وثق بِعَمَلِهِ" فيدل عَلَى أن من له عمل صالح يثق به فإن له أن يتمنى الموت.

وقد كان كثير من السلف يتمنى الموت، وهم أقسام:

منهم من يحمله حسن الظن باللَّه عَلَى حب لقائه، إما لا له عنده من كثرة الطاعات، أو لا عنده من محبة اللَّه عز وجل فيحسن ظنه به كما قال بعض السلف: لقد سئمتُ من الحياة، حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته، شوقًا إِلَى اللَّه وحبًّا للقائه، فقِيلَ لَهُ: أفعلى ثقة أنت من عملك؟ قال: لا، لكن

لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟!

وكان بعضهم ينشد في هذا المعنى:

وزادي قليل ما أراه مبلغي ... ألزاد أبكي أم لطول مسافتي؟

أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي فيك أين محبتي؟

ومنهم من يتمنى الموت شوقًا إِلَى لقاء الله عز وجل، وسنذكر أخبارهم في الكلام عَلَى آخر الحديث إِنَّ شاء اللَّه تعالى.

وتمني الموت لمن يثق بعمله له أحوال:

تارة يتمنى الموت لضر نزل به، وهذا منهي عنه، وصاحبه إِنَّ لم يثق بعمله كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ فإنه لا يدري لعله يهجم بعد الموت عَلَى ما هو أعظم وأشد مما هو فيه، فإن وثق بعمله فقد تمناه للضر بعض السلف.


(١) (٢/ ٣٥٠) وسبق عزوه للمسند.