وأيضًا فالموت نفسه أشد ما يلقاه الآدمي في الدُّنْيَا ولا يعلم الناس في الدُّنْيَا حقيقة شدته.
وقال بعض السلف: لو أن ميتًا نُشِرَ فأخبر أهل الدُّنْيَا بحقيقة الموت ما انتفعوا بعيش ولا استلذوا بنوم.
وإنما كان الموت خيرًا للعاصي؛ لأنّه كلما طال عمره زادت ذنوبه، فزاد عقابه. وهذا كما قال ابن مسعود: إِن كان مسيئًا فإن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}(١).
وكان بعض الصالحين يقول: قد سئمنا من الحياة لكثرة ما نقترف من الذنوب. هذا مع كثرة أعمالهم الصالحة فكيف يقول من عمره كله ضائع.
صفوة اللذة أثمرت لي كدري ... كم أبصرت ما يعطي بصري
ما لي زاد وقد تداني سفري ... وقد ضاع العمر فإنه يوالي عمري
ولقد كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته، فلما نزل به كَرِهَهُ لشدته، ومنهم: أبو الدرداء وسفيان الثوري، فما الظن بغيرهما.
وكان بعض الصالحين يتمنى الموت، فرأى في منامه قائلًا يقول له: أتتمنى الموت؟ قال: قد كان ذلك، فقطب وجهه ثم قال: لو عرفت الموت وكربه حتى يخالط قلبك معرفته، لطار نومك أيام حياتك، ولذهل عقلك حتى تمشي في الناس والهًا.
وكان إذا ذكر منامه هذا بكى وقال: طوبى لمن نفعه عيشه، فكان طول عمره زيادة في عمله، واللَّه ما أراني كذلك.
قال إبراهيم بن أدهم: إِنَّ للموت كأسًا لا يقوى على تجرعها إلا خائف وجل طائع كان يتوقاها.