ولعل مما سبب مثل هذه الدعوى للحافظ استخدامه للمصطلحات الشائعة عند متأخري الزهاد -أو قل المتصوفة- في القرون الأربعة المفضلة الذين وجد في آخرهم أنواع مذمومة ومنكرة من الشطحات وهذه العبارات نحو: أصحاب الحقائق، والمكاشفات، وخواص المحبين والعاشقين، والمنامات النورانية، وأهل المعرفة الحقيقة.
مما هو محل احتمال ومورد إجمال يتطرق إليه مجال تلك الدعوى، ولكن هذا على أبعد أحواله خطأ من الحافظ وتجوز في القول لا يراد منه المعنى المتبادر عند أولئك، يدل عليه سياق كلامه الذي ترد فيه تلك المصطلحات، وقواعد منهجه الرادة للجنوح البعيد في تلك المجاهل، التي يسلكها مدعو الحقائق والمحبة وعشق الإله.
ومنهج آخر من منهاج الحافظ في هذه المسألة، هو أنّه إذا نقل عن بعض الزهاد ممن غلبوا جانب العبادة والذوق على العلم، حتى وقعوا في أخطاء وبدع سلوكية أو انحرافات أدت بهم إلى نوع من الشطحات، نتيجة للجهل بعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أورثه أمته، كما وقع لذي النون المصري، والبسطامي، وبشر الحافي، ورابعة العدوية ومن هو أشد منهم، فالحافظ ينقل عنهم بعد أن ينتقي من كلامهم الحق والصواب، وتؤيده النصوص، ولا يسترسل معهم في نقل كل أقوالهم، وجميع ما عندهم مما يتضمنه الخطأ والبدع والضلال، ومثال ذلك على النوع الأول الذي ينقله الحافظ، ما نقله عن ذي النون المصري في كتابه " لطائف المعارف " مسألة الشوق إلى لقاء الله وتمني الموت لذلك قال: قال ذو النون: كل مطيع مستأنس وكل عاصي مستوحش " (١) اهـ.
وعلى ذلك يجب مراعاة هذه الضوابط.
١ - نقل الحافظ لتلك الجمل من أقوالهم لا يعني بالضرورة تزكيتهم مطلقاً وتسويغ أخذ جميع ما جاء عنهم، إذ الميزان موافقة ما صدر عنهم