ففي الحقيقة النعيم الَّذِي لا ينفد هو طاعة الله وذكره، ومحبته والأنس به والشوق إِلَى لقائه، فإن هذا نعيم لأهله في الدُّنْيَا.
قال مالك بن دينار: في بعض الكتب يقول اللَّه: "أيها الصديقون تنعموا بذكري، فإنه لكم في الدُّنْيَا نعيم، وفي الآخرة جزاء". وقال: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر اللَّه عز وجل.
وقال إبراهيم بن أدهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
قال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدُّنْيَا، وإنه ليمر عَلَى القلب أوقات يضحك فيه ضحكًا.
وكان بعض العارفين يقول: إنه ليمر بي أوقات أقول: إِن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب.
أهل المحبة قوم شأنهم عجب ... يقودهم حزن يهزهم طرب
العيش عيشهم والملك ملكهم ... ما الناس إلا همُ أبانوا أم اقتربوا
فهذا نعيم فى الدُّنْيَا، فَإِذَا انتقلوا إِلَى البرزخ فهم في نعيم أزيد من ذلك، كما قال بعض السلف: أنعم الناس أجسادٌ في التراب أمنت العذاب، وانتظرت الثواب.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحدًا أنعم ممن صار إِلَى هذه القبور، وأمن من عذاب اللَّه عز وجل، وإذا بعثوا إِلَى الجزاء حينئذ فلهم النعيم الأعظم في جنات النعيم، وينادي مناد إِنَّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقرة عين لا تنقطع".