للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروي عنه أنه كان يقول: لا قرت عين من لم تقر عينه بك ولا فرح قلب لم يفرح بك، وعزتك إنك لتعلم أني أحبك.

وقال حبيب ليزيد الرقاشي: بأي شيء تقر عيون العابدين في الدُّنْيَا؟ وبأي شيء تقر أعينهم في الآخرة؟ فَقَالَ: بالإكثار من التهجد في ظلمة الليل، وأما الذين تقر أعينهم في الآخرة فلا أعلم شيئًا من نعيم الجنان وسرورها ألذ عند العابدين ولا أقر لعيونهم من النظر إِلَى ذي الكبرياء العظيم، إذا رفعت تلك الحجب، وتجلى لهم الكريم، فصاح حبيب عند ذلك صيحة خر مغشيًا عليه.

وكان كهمس يقول في جوف الليل: أَتُرَاك معذبي وأنت قرة عيني يا حبيب قلباه.

كان بعض العابدين يصلى، فنام في سجوده، فرأى في منامه كأنّه وقف بين يدي اللَّه عز وجل، وهو يقول لملائكته: انظروا إِلَى عبدي بدنه في طاعتي، وروحه عندي فاستيقظ، فَقَالَ: أنت قرة عيني في نومي، وأنت قرة عيني في يقظتي.

وكان يحيى بن معاذ ينشد:

قرة عيني لابد لي منك وإن ... أوحش بيني وبينك الزلل

قرة عيني أنا الغريق فخذ ... كف غريق عليك يتكل

كان بعضهم يقول: أنت قرة عين المطيعين، وأنت مننت عليهم بالطاعة، وكيف لا تكون قرة عين العاصين وأنت مننت عليهم بالتوبة.

من قرت عينه بمناجاة اللَّه سرًّا في ظلمة الليل أقر اللَّه عينه عنده بما لم يُطْلِعْ عليه بشرًا، كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١).


(١) السجدة: ١٦ - ١٧.