للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشتاق إِلَى غير حبيبه؟ أم كيف يستريح المحب إِلَى غير من اشتاق إِلَيْهِ؟ فقلت: يا رب تهت في حبك فلم أدري ما أقول.

آلمني الشوق فلولا دمعه ... أحرق ما بين العذيب والنقا

واستعرت أنفاسه وإنما ... تلتهب الأنفاس من حرّ الجوى

مروا عَلَى وادي الغضا فقلبوا ... من الجوى قلبى عَلَى جمر الغضا

الطبقة الثانية: من أعطاه الله بعد بلوغه إِلَى درجة الشوق إِلَيْهِ الأنس به والطمأنينة إِلَيْهِ، فسكنت قلوبهم بما كشف لها من آثار قربه ومشاهدته، ووجدوا لذّة الأنس به في الذكر والطاعة، وصار عيشهم مع اللَّه في نعيم سرمدي، وطاب لهم السير إِلَيْهِ في الدُّنْيَا بالطاعات.

وهذه كانت حال نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهي حال كثير من العارفين، كأبي سليمان وأحمد بن أبي الحواري وذي النون والجنيد وغيرهم.

سئل الشبلي: بماذا تستريح قلوب المحبين والمشتاقين؟ فَقَالَ: إِلَى سرورهم بمن أحبوه واشتاقوا إِلَيْهِ.

فهؤلاء كلما أقلقهم الشوق سكنهم الأنس والقرب والمشاهد، كما كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر له تركه الطعام والشراب واجتهاده في الطاعات في الصيام يقول: "إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" (١).

ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فأذكره

غاب عن سمعي وعن بصري ... (فسويداء) (٢) القلب تبصره

قلوب المحبين كالجمرة تحت فخمة الليل، فَإِذَا هب عليها نسيم السحر التهبت بالأشواق، فلولا أن ريق عليها من ماء العيون، وتعدل ببرودة الذكر لسرى الحريق إِلَى أجسادها.


(١) أخرجه البخاري (١٨٦٠، ٦٨١٤)، ومسلم (١١٠٥) عن أنس.
(٢) سويداء: حبة القلب. "القاموس المحيط" (٢/ ٦٤٢).