للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزينة الجوارح بأعمال الإيمان، وقد سمى الله تعالى التقوى لباس، وأخبر أنها خير من لباس الأبدان -قال تعالى-: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (١).

وقال وهب بن منبه: أوحى الله تعالى إِلَى عيسى عليه السلام: "يا عيسى، تزين لي بالدين، وأحب المساكين".

وعنه أن الله تعالى لما بعث موسى وهارون عليهما السلام قال لهما: "إِنَّمَا يتزين لي أوليائي بالذكر والخشوع، والخوف والتقوى، تنبت في قلوبهم، فتظهر عَلَى أجسادهم، فهي ثيابهم التي يلبسون، ودثارهم الَّذِي يظهرون، وضميرهم الَّذِي يستشعرون، ونجاتهم التي بها يفوزون، ورجاؤهم الَّذِي إياه يأملون، ومجدهم الَّذِي به يفتخرون، وسيماهم التى بها يعرفون".

قال الحسن في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيل يُحِبُّ الجَمَالَ" (٢) قال: يحب أن يُتَجَمَّلَ له بالطاعة.

وعنه قال: "إِنَّ لباس المؤمن التقوى، وزينته الحياء".

فالزينة النافعة الدائمة الباقية هي زينة الإيمان والتقوى، إذا شملت القلب والجوارح، فإن أظهر التزيين بذلك ظاهرًا وقلبه فارغ عاد ذلك عليه شيئًا، كما قال بعضهم: من تزيين للناس بما يعلم اللَّه منه خلافه شانه اللَّه عز وجل. وقال بعضهم لمن أظهر التزين بالعلم من غير عمل به: تزينوا بما شئتم، فلن يزيدكم اللَّه إلا (اتضاعًا) (٣).

وقال بعضهم: لا تقوم الساعة حتى يتزين الرجل بالعلم كما يتزين الرجل بثوبه. يعني: يظهره للناس تزينًا به عندهم من غير أن يزين قلبه وجوارحه بالعمل به، وكان الفضيل يقول: تزينت لهم بالصوف فلم ترهم يرفعون بك رأسًا، تزينت لهم بالقرآن، ولم تزل تنزين لهم بشيء بعد شيء كل ذلك لحب الدُّنْيَا.


(١) الأعراف: ٢٦.
(٢) أخرجه مسلم رقم (٩١) من حديث عبد الله بن مسعود.
(٣) اتضاعًا: من الضًعَة وهي الذل والهوان والدناءة. "لسان العرب" (٨/ ٣٩٧).