للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعاصي، ويكون المرُاد: النهي عن تجاوز العشر جلدات بالتأديب ونحوه، مما ليس عقوبة عَلَى محرَّم.

هذا فيه اختلافٌ مشهور بين العُلماء.

وقال تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (١).

وقال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (٢).

والمرُاد بحدود الله هاهنا: ما يفصل لون الحلال والحرام، ويتميَّز به أحدهما من الآخر.

وقد مدح اللهُ الحافظين لحدوده في قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ} (٣).

وفي الحديث المرفوع من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "يُمَثَّلُ الْقُرْآنُ رَجُلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ حَمَلَهُ، فَخَالَفَ أَمْرَهُ ونَهْيِهِ، فَيُمَثَّلُ لَهُ خَصْمًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، حَمَّلْتَهُ إِيَّايَ فَبِئسَ حَامِلٍ، تَعَدَّى حُدُودِي، وَضَيَّعَ فَرَائِضِي وَرَكِبَ مَعْصِيَتِي، فَيَتَمَثَّلُ خَصْمًا دُونَهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، حَمَّلْتَهُ إِيَّايَ فَخَيْرُ حَامِلٍ، حَفِظَ حُدُودِي، وَعَمِلَ بِفَرَائِضِي، وَاجْتَنَبَ مَعْصِيَتِي" (٤).

والمرُاد بحفظ الحدود هنا: المحافظةُ عَلَى الواجبات والانتهاء عن المحرمات.

وفي حديث النعمان بن بشير، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبَهَاتٌ لاَ يَعْلَمُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطُهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ" وهو حديث متفقٌ عَلَى صحته (٥).


(١) البقرة: ٢٣٠.
(٢) التوبة: ٩٧.
(٣) التوبة: ١١٢.
(٤) أخرجه ابن أبي شبية في "المصنف" (١٠/ ٤٩١ - ٤٩٢).
(٥) أخرجه البخاري (٥٢، ٢٠٥١)، ومسلم (١٥٩٩).