للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَذَكَرَ الْأَسْقَامَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ، عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلِمَ أَرْسَلُوهُ» فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الْأَسْقَامُ؟ وَاللَّهِ مَا مَرِضْتُ قَطُّ. قَالَ: «قُمْ عَنَّا فَلَسْتَ مِنَّا» وهذا كما قال للذي سأله عن الحمى فلم يعرفها: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» (١) فجعل الفرق بين أهل الجنة وأهل النار إصابة البلاء والمصائب، كما جعل ذلك فرقًا بين المؤمنين والمنافقين والفجار في هذه الأحاديث المذكورة ها هنا.

وفي "المسند" (٢) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه ذكر أهل النار، فَقَالَ:

«كُلُّ شَدِيدٍ جَعْظَرِيٍّ (٣)، هُمُ الَّذِينَ لَا يَأْلَمُونَ رُءُوسَهُمْ».

وفي "المسند" (٤) عن أنس أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَةً لِي كَذَا وَكَذَا، ذَكَرَتْ حُسْنِهَا وَجَمَالِهَا. آثَرْتُكَ بِهَا، قَالَ: «قَدْ قَبِلْتُهَا». فَلَمْ تَزَلْ تَمْدَحُهَا حَتَّى ذَكَرَتْ أَنَّهَا لَمْ تَصْدَعْ وَلَمْ تَشْتَكِ شَيْئًا قَطُّ، قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِي ابْنَتِكِ".

وخرجه ابن أبي الدُّنْيَا من وجه آخر مرسلًا. وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا حَاجَةَ لنَا فِي ابْنَتِكِ"، تجيئنا تحمل خطاياها، لا خير في مال لا يرزأ (٥) منه، وجسد لا ينال منه".

وروى بإسناده (٦) عن قيس بن أبي حازم قال: "طلق خالد بن الوليد امرأته، ثم أحسن عليها الثناء، فقِيلَ لَهُ: يا أبا سليمان، لأي شيء طلقتها؟ قال: ما طلقتها لأمر رابني منها، ولكن لم يصبها عندي بلاء".


(١) أخرجه أحمد في "المسند" (٢/ ٣٣٢، ٣٦٦)، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص ١٤٦)، والنسائي في "الكبرى" (٧٤٩١).
(٢) (٢/ ٥٠٨).
(٣) الجعظري: الفظ الغليظ المتكبر. "اللسان" مادة: (جعظر).
(٤) (٣/ ١٥٥).
(٥) رزأه ماله: أصاب من ماله شيئًا "اللسان" (٣/ ١٦٣٤).
(٦) أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "المرض والكفارات" (٢٠٣).