للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من عصاه. كان الإمام أحمد يدعو: اللهم أعزنا بعز الطاعة ولا تذلنا بذل المعصية. قال أبو العتاهية:

ألا إنما التقوى هي العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

فأهل هذا النوع خالفوا الرسول من أجل داعي الشهوات.

النوع الثاني: من خالف أمره من أجل الشبهات وهم أهل الأهواء والبدع، فكلهم لهم نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفتهم لأوامره، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... } الآية (١).

وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون عَلَى الله، وبدعتهم تتغلظ بحسا كثرة افترائهم عليه، وقد جعل الله من حرم ما أحله الله أو حلل ما حرمه الله مفتريًا عليه بالكذب، ومن نسب إِلَى الله ما لا يجوز فنسبته إِلَيْهِ من تمثيل أو تعطل، أو كذَّب بأقداره فقد افترى عَلَى الله الكذب.

قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٢) قال سفيان: الفتنة أن يطبع الله عَلَى قلوبهم.

فهذا تغلظت عقوبة المبتدع عَلَى عقوبة العاصي؛ لأنّ المبتدع مفترٍ عَلَى الله، مخالفٌ لأمر رسوله لأجل هواه.

فأما مخالفة بعض أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطأ من غير عمد، مع الاجتهاد عَلَى متابعته، فهذا قد يقع [فيه] (٣) كثير من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها،


(١) الأعراف: ١٥٢.
(٢) النور: ٦٣.
(٣) ليست بالأصل، وأثبتها لمراعاة السياق.