للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من قلب لا يخشع، كما في "صحيح مسلم" (١) عن زيد بن أرقم "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاً يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاً يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاً تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاً يُسْتَجَابُ لَهَا".

وقد روي نحوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة.

ويروى عن كعب الأحبار قال: "مكتوب في الإنجيل: يا عيسى، قلب لا يخشع عمله لا ينفع، وصوته لا يسمع، ودعاؤه لا يرفع".

قال أسد بن موسى في كتاب "الورع": ثنا مبارك بن فضالة قال: كان الحسن رحمه الله تعالى يقول إِنَّ المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وأفضى يقينها إِلَى قلوبهم، وخشعت لذلك قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، وكنت والله إذا رأيتهم رأيت قومًا كأنهم رأي عين، فوالله ما كانوا بأهل جدل ولا باطل، ولا اطمأنوا إلا إِلَى كتاب الله، ولا أظهروا ما ليس في قلوبهم، ولكن جاءهم عن الله أمر فصدقوا به، فنعتهم الله تعالى في القرآن أحسن نعت فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (٢) قال الحسن: الهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار. قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (٣) قال: حلماء لا يجهلون، وإذا جهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل فَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (٣) ينتصبون لله عَلَى أقدامهم، ويفترشون وجوههم لربهم سجدًا، تجري دموعهم عَلَى خدودهم فرقًا من ربهم.

قال الحسن رحمه الله تعالى: لأمر ما أسهروا له ليلهم، ولأمر ما خشعوا له نهارهم، ثم قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (٤). قال: وكل شيء يُصيب ابن آدم ثم يزول عنه فليس بغرام،


(١) برقم (٢٧٢٢).
(٢) الفرقان: ٦٣.
(٣) الفرقان: ٦٤.
(٤) الفرقان: ٦٥.