للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أبو نعيم بإسناده أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان جالسًا، فأقبل إِلَيْهِ تُبَيْع الحميري، فَقَالَ عبد الله: قد أتاكم أعرف من علينا. فلما جلس قال له عبد الله: أخبرنا عن الخيرات الثلاث! والشَّرَّات الثلاث! قال: نعم، الخيرات الثلاث: لسان صدوق، وقلب تقي، وامرأة صالحة؟ والشَّرَّات الثلاث: لسان كذوب، وقلب فاجر، وامرأة سوء. فَقَالَ عبد الله: قد قلت لكم!

وفي "الصحيح" (١) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ؛ وَلاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَلاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».

وفيه أيضاً (٢) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: -"آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ".

فالكذب أساس النفاق الَّذِي بني عليه، كما أن الصدق أساس الإيمان.

قال ابن مسعود: إِنَّ الكذب لا يصلح في جد ولا هزل. ثم تلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (٣).

وقال كعب بن مالك: إِنَّ من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا. قال: إِنَّمَا نجاني الله بالصدق.

قال بعضهم: حقيقة الصدق أن يصدق العبد في موطن يرى أنه لا ينجيه فيه إلا الكذب.

وكان الربيع بن حراش موصوفًا بالصدق -يقال: إنه لم يكن يكذب قط- وكان له ابنان عاصيان للحجاج -وكان يطلبهما- فقدما عَلَى أبيهما، فبعث الحجاج إِلَى الربيع، وقال: سيعلم بنو عبس أن شيخهم اليوم يكذب. فَقَالَ له:


(١) أخرجه البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧) واللفظ لمسلم.
(٢) البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩).
(٣) التوبة: ١٩.