للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يأمل الخطاءون إلا رحمة من أسبل عَلَى خطاياهم ذيل الكرم فسترها، لولا أن حلمه وسع الخلق لهلكوا.

قال هارون بن رئاب: حملة العرش أربعة يتجابون بالتسبيح يقول اثنان منهم: سبحانك وبحمدك، عَلَى حلمك بعد علمك؟ ويقول الآخران: سبحانك وبحمدك عَلَى عفوك بعد قدرتك؛ لما يرون من ذنوب بني آدم.

وقال محمد بن النضر الحارثي: أصبت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، لو يعلم الناس منك ما أعلم لنبذوك، فقد سترت عليك، وغفرت لك عَلَى ما كان منك، ما لم تشرك بي شيئًا.

وفي "الصحيحين" (١) عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ لَيَدْعُو العَبْدَ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ وَيَقُولُ: أَتَذْكُرُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَذْكُرُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَلاَ يَزَال يُقَرِّرُهُ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ".

وفي رواية: «يَأْتِي اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةَ، فَيُقَرِّبُهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي حِجَابِهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَيَقُولُ لَهُ: اقْرَأْ، فَيُعَرِّفُهُ ذَنْبًا ذَنْبًا: أَتَعْرِفُ؟ أَتَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، نَعَمْ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَيَقُولُ اللَّهُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا عَبْدِي أَنْتَ فِي سِتْرِي مِنْ جَمِيعِ خَلْقِي، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْيَوْمَ أَحَدٌ يَطَّلِعُ عَلَى ذُنُوبِكَ غَيْرِي، اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ اليَوْمَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ مَا أَتَيْتَنِي بِهِ، قَالَ: مَا هُوَ يَا رَبِّ؟ قَالَ: كُنْتَ لَا تَرْجُو الْعَفْوَ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِي».

إخواني: هب أنه تجاوز عن الزلل، فأين ما يلقاه العاصي عند تقريره بذنوبه من الحياء والخجل؟!

العارفون يشتد قلقهم من الحياء من الله عند الوقوف بين يديه.

قال بعضهم: ما يمر بي أشد من الحياء من الله.


(١) أخرجه البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨).