للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سحرًا كل ليلة.

وروي عن عبد الله بن عمرو أن الجنة معلقة بقرون الشمس، تنشر كل عام مرة. يشير إِلَى زمن الربيع، وما يظهر فيه من الأزهار والثمار، وطيب الزمان واعتداله، في الحر والبرد، وأبلغ من هذا كله، أن الله تعالى أشهد عباده في نفوسهم، آثارًا محسوسة، يجدونها ويحسونها من آثار الجنة والنار.

فأما ما يجدونه من آثار الجنة، فما يتجلى لقلوب المؤمنين، من آثار أنوار الإيمان، وتجلي الغيب لقلوبهم، حتي يصير الغيب كالشهادة لقلوبهم في مقام الإحسان.

فربما تجلت الجنة أو بعض ما فيها لقلوبهم أحيانًا، حتي يرونها كالعيان، وربما استنشقوا من أراييحها، كما قال أنس بن النضر يوم أحد: واهًا لريح الجنة، والله إني لأجد ريح الجنة من قبل أحد (١)!!

وأما ما يجدونه من آثار النار، فما يجدونه من الحمى، فإنها من فيح جهنم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَاطْفِئُوهَا بِالمَاءِ" (٢).

وهي نوعان: حارة وباردة.

فالحارة من آثار (سموم) (٣) جهنم، والباردة من آثار (زمهرير) (٤) جهنم.

وروى ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي السائب - مولى عبد الله بن زُهرَة- عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ النار استأذنت ربها في نفسين، فأذن لها، فأما أحدهما فهذه (الجذوة) (٥) التي تصبيكم من السماء، وأما الآخر فهذه الحمى التي تصيبكم، فَإِذَا اشتدت عَلَى أحدكم،


(١) أخرجه مسلم (١٩٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٤٣، ٥٧٢٣)، ومسلم (٢٢٠٩) من حديث ابن عمر، وأخرجه البخاري (٣٢٦٣، ٥٧٢٥)، ومسلم (٢٢١٠) من حديث عائشة، وأخرجه البخاري (٣٢٦٢، ٥٧٢٦)، ومسلم (٢٢١٢) من حديث رافع بن خديج.
(٣) الريح الحارة تكون غالبًا بالنهار. القاموس: مادة: "سمم".
(٤) الزمهرير: شدة البرد، وهو الَّذِي أعده الله عذابًا للكفار في الدار الآخرة "النهاية" (٢/ ٣١٤).
(٥) الجذوة: القبسة من النار. "ترتيب القاموس" (١/ ٤٦٥).