للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا الَّذِي ذكره الفُضيل من علامات النُّصح والتعيير هو أن النُّصح يقترنُ به السترُ، والتَّعيير يقترنُ به الإعلانُ، وكان يقال: "من أمر أخاهُ عَلَى رءوس الملأ فقد عيَّره، أو هذا المعنى.

وكان السَّلفُ يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عَلَى هذا الوجه، ويُحبُّون أن يكون سرًّا فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النُّصح، فإن الناصح ليس له غَرَضٌ في إشاعة عُيوب من ينصحُ له، وإنما غرضُهُ إزالةُ المفسدةِ التي وقع فيها.

وأما الإشاعة وإظهار العيوب فهو ممَّا حرمه الله ورسوله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} (١) الآيتين.

والأحاديث في فَضْل السرِّ كثيرة جدًا.

وقال بعضُ العُلَمَاء لمن يأمر بالمعروف: "اجتهد أن تستر العُصاة، فإن ظهور عوراتهمْ وَهَنٌ في الإسلام، وأحقُّ شيءٍ بالستر: العَوْرة". فلهذا كان إشاعةُ الفاحشة مُقترنة بالتعيير، وهُما من خِصَال الفُجار، ولأن الفاجر لا غَرَض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للمعائب والنقائص، إِنَّمَا غَرَضُهُ في مُجردِ إشاعة العيب في أخيه المؤمن، وهتْك عرضه، فهو يُعيد ذلك ويُبديه، ومقصودُهُ تنقُّص أخيه المؤمن في إظهار عُيوبه ومساوئه للناس ليُدخلَ عليه بذلك الضَّرَرَ في الدُّنْيَا.

وأما الناصحُ فَغَرضُهُ بذلك إزالةُ عيب أخيه المؤمن باجتنابه له، وبذلك وَصَفَ اللهُ تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... } (٢) الآية.

ووصف بذلك أصحابه فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (٣).


(١) النور: ١٩ - ٢٠.
(٢) التوبة: ١٢٨.
(٣) الفتح: ٢٩.