بمثل هذه المكيدة كان ظلم بني مروان وأتباعهم يستميلون الناس إليهم ويُنفرون قلوبهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن والحسين وذريتهم رضي الله عنهم أجمعين.
فإنه لما قُتل عثمان -رضي الله عنه- لم تر الأُمَّةُ أحقَّ من عليٍّ -رضي الله عنه- بالأمر فبايعوه فتوصَّل مَن توصَّل إِلَى التنفير عنه، بأن أظهر تعظيم قتله عثمان وقُبحه، وهو في نفس الأمر كذلك، لكن ضُمّ إِلَى ذلك أن المؤلف عَلَى قلته والسَّاعي فيه هو عَلَيَّ رضي الله عنه، وهذا كذِب وبهت.
وكان علي يحلف ويُغلظ الحلفَ عَلَى نفي ذلك، وهو الصادق البار في يمينه رضي الله عنه، فلما أظهروا ذلك تفرقت قلوب كثير ممن لا خبرة له بحقائق الأمور عن علي رضي الله عنه، وبادروا إِلَى قتاله ديانة وتقرُّبًا، ثم إِلَى قتال أولاده، واجتهد أولئك في إظهار ذلك وإشاعته عَلَى المنَابِر في أيَّام الجُمع وغيرها من المَجَامع العظيمة، حتى استقرَّ في قلوب أتباعهم أنَّ الأمرَ عَلَى ما قالوه، وأن بني مروان أحقُّ بالأمر من علي وولدِهِ لقُربهم من عُثمان، وأخذهم بثأره، فتوصَّلوا بذلك إِلَى تأليف قُلوب الناس عليهم، وقتالهم لعليَّ وولده من بَعْده، وثبت بذلك لهم المُلك، واستوثق لهم الأمر.
وكان بعضهم يقول في الخلوة لمن يثقُ إِلَيْهِ كلامًا معناه: لم يكن أحدٌ من الصحابة أكفأ عن عثمانَ من عَلَيٍّ فيقال له: لم يسبُّونه إذًا، فيقول: إِنَّ المُلك لا يقوم إلا بذلك.
ومراده أنَّه لولا تنفيرُ قلوب الناس عن عليّ وَولدِهِ ونسبتُهم إِلَى ظلم عثمان لما مالت قلوب الناس إليهم، لما عَلِموه من صفاتهم الجميلة وخصائصهم الجليلة، فكانوا يُسرعون إِلَى مُتابعتهم ومُبايعتهم، فيزولُ بذلك مُلك بني أميَّة، وينصرفُ الناس عن طاعتهم.