وروى الحافظ أبو نعيم بإسناد له أن عمر بن عبد العزيز كتب إِلَى عبد الحميد نائبه عَلَى الكوفة كتابًا ينهى فيه أن يناح عَلَى ابنه، كما كانت عادةُ الناس حينئذٍ في النياحةِ عَلَى الملوك وأولادهِم.
وفيه أن عبد الملك ابنَ أميرِ المؤمنين كان عبدًا من عبادِ الله، أحسن الله إِلَيْهِ في نفسه، وأحسن إِلَى أبيه فيه، أعاشَهُ الله ما أحبَّ أن يعيشه، ثم قبضه إِلَيْهِ حين أَحَبّ أن يقبضه، وهو فيما علمت بالموت مرتبطٌ، نرجو فيه من الله رجاءً حسنًا. فأعوذ بالله أن تكونَ لي محبةٌ في شيء من الأمور تخالفُ محبةَ الله فإنَّ خلاف ذلك لا يصلُح في بلائِهِ عندي، وإحسانه إلي ونعمته علي، ثم قال: أحببت أن أكتب إليك بذلك وأعلمكه من قضاء الله، فلا أعلم من ينوحُ عليه في شيء من قبلك، ولا اجتمعَ عَلَى ذلك أحد من الناس، ولا رَخَّصْتَ فيه لقريب ولا بعيد، واكفني في ذلك بكفاية الله، ولا ألومَنَّكَ فيه -إِنَّ شاء الله- والسلام عليك.
وروى الإمام أحمد بإسناد له، أن عمر بن عبد العزيز تتابعت عليه مصائب: مات أخ له، ثم مات مزاحِمٌ مولاه، ثم مات عبد الملك ابنه، فلما مات عبد الملك -رحمه الله- حمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد دفَعتْهُ إليَّ النساءُ في الخرَقِ فما زلتُ أرى فيه السرورَ وقُرَّةَ العين إِلَى يومي هذا، فما رأيت فيه أمرًا قط أقرَّ لعيني من أمرٍ قد رأيتُهُ فيه اليَوم.
قال الزبير بن بكار: لما هلك عبد الملك بن عمر قال أبوه: يا بني، لقد كنتَ كما قال الله -عز وجل-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(١) وإني لأرجو أن تكون اليومَ من الباقياتِ الصالحاتِ التي هي خيرٌ ثوابًا وخيرٌ أملاً.