للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصبر، فلا تدعو عليه، فإن ذلك يخفف عنه. وخرَّج الترمذي (١) من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ».

وروي ليث، عن طلحة: أن رجلاً لطم رجلاً، فَقَالَ: اللهم إِن كان ظلمني فاكفنيه. فَقَالَ له مسروق: قد استوفيت.

وقال مجاهد: لا تسبن أحدًا، فإن ذلك يخفف عنه، ولكن أَحَبّ لله بقلبك وأبغض لله بقلبك. وقال سالم بن أبي الجعد: الدعاء قصاص.

وشكا رجل إلي عمر بن عبد العزيز رجلاً ظلمه، وجعل يقع فيه، فَقَالَ له عمر: إنك إِن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه، وقد استقضيتها.

وقال أيضاً: بلغني أن الرجل، ليظلم بمظلمة، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه، حتي يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه قال بعض السَّلف: لولا أن الناس يدعون علي ملوكهم، لعجل لملوكهم العقاب. ومعنى هذا: يشير إِلَى أن دعاء الناس عليهم استفاء منهم بحقوقهم من الظالم، أو لبعضها، فبذلك يدفع عنهم العقوبة.

وروي عن الإمام أحمد، قال: ليس بصابر من دعا عَلَى من ظلمه.

وفي مسند الإمام أحمد (٢)، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ". ويشهد له ما خرّجه مسلمٌ في "صحيحه" (٣) من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما زاد الله عبدًا بعفوٍ، إلا عزًّا". فإن دعا عَلَى من ظلمه بالعدل جاز، وكان مستوفيًا لبعض حقه منه، وإن اعتدى عليه في دُعائه


(١) برقم (٣٥٥٢). وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة، وقد تكلم بعض أهل العِلْم في أبي حمزة، وهو: ميمون الأعور.
(٢) (٢/ ٤٣٦).
(٣) برقم (٢٥٨٨).