للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد حملها القاضي في خلافه عَلَى أن الشرط إِنَّمَا يؤثر إذا كان في نفس العقد دون ما قبله وبعده، وساق رواية ابن منصور، ولعلها في رجل ابتاع فضة من رجل واشترط عليه أن يصوغ صياغًا فهو مكروه في نفس العقد، ولكن لو سأله الكراء لم يكن له تأثير.

والصورة الثانية: قال له: صُغ لي خاتمًا حتى أعطيك بوزن الفضة وأجرة الصياغة.

فهذا لا يجوز، ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما؛ لأنهما تبايعا فضة مجهولة بفضة مجهولة، وتفرقا قبل القبض، وأيضًا فالأجرة مجهولة.

الصورة الثالثة: قال له: صُغ لي خاتمًا حتى أعطيك درهمًا وأجرتك درهمًا.

فَقَالَ في المغني: ليس هذا ببيع درهم بدرهمين، بل قال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين أحدهما في مقابلة الخاتم، والثاني في مقابلة (أجره) (*) لعمله. انتهى.

وفيه نظر فإنَّ هذا ليس بيعًا لعدم التقابض في المجلسى ولا إجارة؛ لأنّ الإجارة إِنَّمَا تعقد عَلَى المنافع لا عَلَى الأعيان، وإنَّما تدخل فيها الأعيان تبعًا {كجر} (١) الناسخ أو تكون الأعيان فيها من جنس المنافع تستخلف شيئًا بعد شيء كلبن الظئر (٢) وماء البئر. وهذا كله مفقود قيما نحن فيه. وأيضًا فهذا بعيد عن أصلنا في سد الذرائع وإبطال الحيل، فإن هذا حيلة عَلَى بيع درهم بدرهمين نساء.

ومعلوم أن أحمد يمنع من باع شيئًا نسيئة بثمن في الذمة أن يبتاع به عند حلوله ما يباع به نسيئة سليم لذريعة ربا النسيئة خاصة، فكيف بربا الفضل مع النساء مع أن الحيلة ثم بعيدة أو متتفية، وها هنا ظاهرة، بل لا معنى لهذا غير الحيلة عَلَى بيع درهم بدرهمين.


(*) أجرة: "نسخة".
(١) كذا ولعلها: "كحبر".
(٢) الظئر هنا: المرضع المستأجرة.