للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن سعيد بن جبير قال: قدم حذيفة من سَفَرٍ وعلى صبيانه قميصٌ من حريرٍ؛ فمزقه عَلَى الغلمان وتركه عَلَى الجواري.

وعن ابن مسعود أنَّه مرَّ به صبيان له عليهم قُمُص من حريرٍ فأخذها (فشقَّها) (*) وقال: انطلقوا إِلَى أمكم فلتلبسكم غير هذا إِن شاءت.

ومعلومٌ أن الحرير مما يمكن انتفاع الجواري به، ولكن سقطت حرمته بإلباس ما لا يجوز إلباسه له، لكن لو كان لابسه جاهلاً بتحريمه فقد ذكر إبراهيم الحربي رحمه الله في كتاب "الهدايا" له في حكم آنية الخمر أنَّه لا يجوز حينئذٍ الكسر عَلَى إذن صاحبه، وفيه روايتان أشهرهما: أنَّه لا يتوقف عَلَى إذنه مطلقًا.

وذكر أبو الخطاب في "انتصاره" في مسألة زكاة الحلي أن حليَّ الرجال المباح للنساء دونه لا يكسر؛ لأنّه ينتفع به النساء فهو كثياب الحرير. وأطلق ولم يفرق بين أن يكون في حال لبسه أو غيره. وأما إِن أتلفه بالكلية، فذكر طائفة من الأصحاب في الإناء المحرم: أنَّه يضمن قيمته بدون الصياغة الممنوعة، منهم القاضي، وابن عقيل في كتاب "الغصب"، وعلَّلَهُ ابن عقيل بأن النقدين مقصودان لذاتهما ليسا تابعين للصورة المحظورة بخلاف الأوتار والعيدان في آلات اللهو فإنها تابعة للصورة المحرمة فلا يضمنها. وهذا مخالف لما ذكراه أيضاً في مسألة سرقة آنية الخمر والصُّلبان ونحوهما، فإنَّه لا يقطع بسرقتها عندهما. وعلَّلا بأنها تبع للصورة المحرمة أو للخمر، فصار حكمها حكم متبوعها، حتى صرَّح ابن عقيل في تمام هذا الكلام بأنه لو أتلفها متل رأسًا، لم يضمن لمصيرها بمنزلة الخمر. وهذا ظاهره مخالف لما ذكره في "الغصب" إلا أن يحمل عَلَى ما عدا الذهب والفضة فيكون كلامه في الغصب مخصصًا له.


(*) فشققها: "نسخة".