للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشر، وإنَّما كان الَّذِي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا يوم القيامة" (١).

فالكلام إِنَّمَا سيق لبيان آيات الأنبياء العظام، الَّذِي آمن لهم بسببها الخلق الكثير، ومعلوم أن أعظم آيات النبي صلى الله عليه وسلم التي آمن عليها أكثر أمته هي الوحي، وهو الَّذِي كان يدعو له الخلق كلهم، ومن أسلم في حياته خوفًا، فأكثرهم دخل الإيمان في قلبه بعد ذلك بسبب سماع الوحي، كمسلمة الفتح وغيرهم.

فالنفي توجه إِلَى أنَّه لم تكن آياته التي أوجبت إسلام الخلق الكثير من جنس ما كان لمن قبله مثل ناقة صالح، وعصا موسى ويده، وإبراء المسيح الأكمة والأبرص وإحياء الموتى ونحو ذلك، فإن هذه أعظم آيات الأنبياء قبله، وبها آمن البشر لهم، وأما آيته هو - صلى الله عليه وسلم - التي آمن البشر عليها في حياته وبعد وفاته فهي الوحي الَّذِي أوحي إِلَيْهِ، وهي التي توجب إيمان البشر إِلَى يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (٢).

ولهذا قيل: إن آيات الأنبياء انقطعت بموتهم وآيته - صلى الله عليه وسلم - باقية إِلَى يوم القيامة، ومما يبين أن الحصر لم يتتف عن "إِنَّمَا" في شيء من هذه الأنواع التي توهموها:

أن الحصر قد جاء فيها وفي مثلها "بإلا" كما جاء "بإنما" فإنَّه جاء "لا ربا إلا في النسيئة"، كما جاء "إِنَّمَا الربا في النسيئة"، وجاء في القرآن: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (٣)، كما جاء فيه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} (٤)، وكذلك قوله: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ


(١) سبق تخريجه.
(٢) الأنعام: ١٩.
(٣) آل عمران: ١٤٤.
(٤) النازعات: ٤٥.