الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، حصر الأول في الثاني، وحصر الثاني في الأول، كما تقدم بيانه، فحصر الخشية في العُلَمَاء يفيد أن كل ما خشي الله فهو عالم، وإن لم يفد بمجرده أن كل عالم فهو يخشى الله، ويفيد أن من لا يخشى فليس بعالم، وحصرُ العُلَمَاء في أهل الخشية يفيد أن كل عالمٍ خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكل فرد من أفراد العُلَمَاء.
والجهة الثانية: أن المحصور هل هو مقتضي للمحصور فيه، أو هو شرط له؟
قال الشيخ أبو العباس -رحمه الله-: وفي هذه الآية وأمثالها هو مقتضى، فهو عام فإن العِلْم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف.
ومراده بالمقتضى العلة المقتضية، وهي التي يتوقف تأثيرها عَلَى وجود شروط وانتفاء موانع، كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما، فإنها مقتضيات وهي عامة.
ومراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب عليه، بعد وجود السبب، وهو الَّذِي من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط كالإسلام بالنسبة إِلَى الحج.
والمانع بخلاف الشرط: وهو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود.
وهذا الفرق بين السبب والشرط، وعدم المانع، إِنَّمَا يتم عَلَى قول من يُجَوِّزُ تخصيص العلة، وأما من لا يسمي علة إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجوده وجوده عَلَى كل حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة.
والمقصود هنا: أن العِلْم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية تمامًا لجميع أفراد العُلَمَاء، لا تتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.