ومثل هذا كثير جداً، والمقصود: أن العِلْم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله من قدره، وخلقه، والتفكير في عجائب آياته المسموعة المتلوة وآياته المشاهدة المرئية مع عجائب مصنوعاته، وحكم مبتدعاته ونحو ذلك، مما يوجب خشية الله وإجلاله، ويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره، وهو أصل العِلْم النافع.
ولهذا قال طائفة من السَّلف كعمر بن عبد العزيز، وسفيان بن عيينة: أعجب الأشياء قلب عرف ربه ثم عصاه.
وقال بشر بن الحارث: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
فواعجبًا كيف يعصى الإله ... وكيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وتسكينة ... أبدًا شاهد
وفي كل شيءٍ له آية ... تدل عَلَى أنَّه واحد
الوجه الثاني: أن العِلْم بتفاصيل أمر الله ونهيه والتصديق الجازم بذلك، وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد، والثواب والعقاب مع تيقن مراقبة الله واطلاعه ومشاهدته، ومقته لعاصيه، وحضور الكرام الكاتبين كل هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور، وإنَّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العِلْم.
والغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}(١).
والشهوة وحدها لا تستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإن صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة، وكانت موجودة في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكن غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الَّذِي أصله التصديق الجازم المترتب عَلَى التصور التام، ولهذا كان ذكر الله وتوحيده والثناء