للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الَّذِي لم يعص الله قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله عز وجل مما قد وقفه عليه".

ورُوي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد الله بن سلام وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد الله بن عمر الثابت في الصحح حديث النجوى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة دعى الله بعبده، فيضع عليه كنفه، فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا، فيقول العبد: بلى يا رب، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدُّنْيَا، وغفرت ذلك لك اليوم" (١) وهذا كله في حق من يريد الله أن يعفو عنه، ويغفر له، فما الظن بغيره.

ولهذا في مراسيل الحسن عن النبي صلّى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يستر عَلَى عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه، ثم غفرها له".

ولهذا كان أشهر القولين أن هذا الحكم عام في حق التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقي عن أكثر العُلَمَاء، واحتجوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (٢).

وقد نُقل ذلك صريحًا عن غير واحد من السَّلف: كالحسن البصري وبلال ابن سعد حكيم أهل الشام كما روى ابن أبي الدُّنْيَا وابن المنادي وغيرهما عن الحسن أنَّه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل تمحى؟

قال: لا دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه.

ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن وقال لو لم نبك إلا حياء من ذلك المقام لكان يحق لنا أن نبكي فنطيل".


=عندهم مطولاً وأوله عن ابن مسعود مرفوعًا، ثم ذكروا كلام كعب -رضي الله عنه- وقال الذهبي في "التلخيص": ما أنكره حديثًا عَلَى جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرف.
(١) أخرجه البخاري برقم (٢٤٤١).
(٢) الكهف: ٤٩.