وروى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن مالك بن دينار قال:"إن لله عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان وضنك في المعيشة ووهن في العبادة وسخط في الرزق".
وعنه أنَّه قال:"ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب". ومثل هذا كثير جدًا.
وحاصل الأمر ما قاله قتادة وغيره من السَّلف:"إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إِلَيْهِ، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم".
وهذا هو الَّذِي عليه المحققون من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم كالقاضي أبي يعلي وغيره وإن كان بينهم في جواز وقوع خلاف ذلك عقلاً نزاع مبني عَلَى أن العقل هل له مداخل في التحسين والتقبيح أم لا؟ وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب عَلَى أن ذلك لا يجوز عقلاً أيضاً، وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذ مردود.
والصواب: أن ما أمر الله به عباده فهو من عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم؛ فإن نفس الإيمان بالله ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها فلا صلاح للنفوس ولا قرة للعيون ولا طمأنينة ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدُّنْيَا عَلَى الحقيقة إلا بذلك فحاجتها إِلَى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إِلَى الطعام والشراب والنفس بكثير، فإنَّه حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحق الَّذِي لا إله إلا هو ومتى فقد ذلك هلك وفسد ولم يصلحه بعد ذلك شيء البتة، وكذلك ما حرمه الله عَلَى عباده هو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم ولهذا حرَّم عليهم ما يصدهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر وبين أنَّه يصد عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما وكذلك سائر ما حرَّمه الله فإنَّه مضرة لعبادة في دينهم ودنياهم وآخرتهم كما ذكر ذلك السَّلف، وإذا تبين هذا وعُلم أن