للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما بيان أن انتفاء الخشية ينتفي معه العِلْم فإنَّه العِلْم له موجب ومقتضى، وهو اتباعه والاهتداء به وضده الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل، وقد تقدم أن الذنوب إِنَّمَا تقع عن جهالة، وبيَّنَّا دلالة القرآن عَلَى ذلك وتفسير السَّلف له بذلك فيلزم حينئذ أن ينتفي ويثبت الجهل عن انتفاء فائدة العِلْم ومقتضاه وهو اتباعه.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (١).

وقول النبي صلّى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني إمرؤ صائم" (٢).

وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله فى معرفة الحق والانقياد له بأنه أصمٌّ أبكمٌ أعمى قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (٣).

ويقال أيضاً أنَّه لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (٤).

فسلب العِلْم والعقل والسمع والبصر، وإثبات الجهل والبكم والصمم والعمى في حق من فقد حقائق هذه الصفات وفوائدها من الكفار والمنافقين أو من شركهم في بعض ذلك كله من باب واحد وهو سلب اسم الشيء أو مسماه لانتفاء مقصوده وفائدته وإن كان موجودًا وهو باب واسع وأمثلته كثيرة في الكتاب والسنة.

انتهى ما ذكره الشيخ نفع الله به وفسح في مدته.


(١) الفرقان: ٦٣.
(٢) أخرجه البخاري (١٩٠٤)، ومسلم (١١٥١)، بلفظ: "وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد ... " الحديث.
(٣) البقرة:١٧١.
(٤) الأعراف: ١٧٩.