كما قال أحمد: لا يخلو من نظر في الكلام إلا تجهم. وكان هو وغيره من أئمة السَّلف يُحذِّرون من أهل الكلام وإن ذبوا عن السُّنَّة.
وأما ما يوجد في كلام من أَحَبّ الكلام المحدث واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إِلَى الجهل أو إِلَى الحشو، وإلى أنَّه غير عارف بالله أو غير عارف بدينه، فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ بالله منه.
ومما أُحدث من العلوم والكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك، بمجرد الرأي والذوق أو الكشف وفيه خطر عظيم، وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيره.
وكان أبو سليمان يقول: إنه لتمر بي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسُّنَّة.
وقال الجنيد: عِلْمُنا هذا مقيد بالكتاب والسنَّة، من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في علمنا هذا.
وقد اتسع الخرق في هذا الباب، ودخل فيه قوم إِلَى أنواع الزندقة والنفاق، ودعوى أن أولياء الله أفضل من الأنبياء، أو أنهم مستغنون عنهم، وإلى التنقص بما جاءت به الرسل من الشرائع، وإِلَى دعوى الحلول والاتحاد أو القول بوحدة الوجود، وغير ذلك من أصول الكفر والفوق والعصيان، كدعوى الإباحة، وحل محظورات الشرائع.
وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شيء، فبعضها زعموا أنَّه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص، وبعضها زعموا أنَّه يراد لرياضة النفوس، كعشق الصور المحرمة ونظرها، وبعضها زعموا أنَّه لكسر النفوس والتواضع، كشهوة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة، وبعضه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة كالغناء والنظر المحرم، وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.