للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يجد ذلك إلا من أطاعه في سره وعلانيته، كما قيل لوهيب بن الورد: أيجد حلاوة الطاعة من عصى؟ قال: لا، ولا من هم.

ومتى وجد العبد هذا فقد عرف ربه وصار بينه وبينه معرفة خاصة؛ فإذا سأله أعطاه وإذا دعاه أجابه، كما قالت شعوانة لفضيل: أما بينك وبين ربك ما إذا دعوته أجابك؟ فغشي عليه.

والعبد لا يزال يقع في شدائد وكرب في الدُّنْيَا وفي البرزخ وفي الموقف؛ فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه الله ذلك كله، وهذا هو المشار إِلَيْهِ في وصية ابن عباس بقوله - صلى الله عليه وسلم - "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" (١).

وقيل لمعروف: ما الَّذِي هيجك إِلَى الانقطاع؟ وذكره الموت والقبر والموقف والجنة والنار، فَقَالَ: إن ملكًا هذا بيده إذا كانت بينك وبينه معرفة كفاك هذا كله.

فالعلم النافع ما عرف بين العبد وربه (ودل) (*) عليه حتى عرف ربه ووحده وأنس به واستحيا من قربه وعبده كأنه يراه، ولهذا قالت طائفة من الصحابة (٢): إن أول علم يرفع من الناس: الخشوع.

وقال ابن مسعود: إن أقوامًا يقرءون القرآن لا يجاور تواقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.

وقال الحسن: العِلْم علمان، فعلم عَلَى اللسان فذاك حجة الله عَلَى ابن آدم، وعلم في القلب فذاك العِلْم النافع. وكان السَّلف يَقُولُونَ: العُلَمَاء ثلاثة:


(١) سبق تخريجه.
(*) ودله: "نسخة".
(٢) منهم: شداد بن أوس كما في مسند أحمد (٦/ ٢٦)، وعبادة بن الصامت عند الترمذي. (٢٦٥٣) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحذيفة عند الحاكم (٤/ ٥١٦) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.